بين المخاطر الاستراتيجية واستراتيجية المخاطر
عند الحديث عن المخاطر نرى التركيز والاهتمام ينصب دائما على الأنواع المألوفة من المخاطر كمخاطر التشغيل، والمخاطر المالية، ومخاطر العقود، ومخاطر السوق ، والأسعار، والإئتمان، وأمن المعلومات، وغيرها وذلك لارتباطها ومساسها بالعمليات اليومية والنتائج قصيرة الأجل أو مانسميه بالمخاطر الجارية ولكن المفروض قبل ذلك أن تفهم مؤسسات الأعمال مخاطرها الاستراتيجية لأنه أساس وجودها وعامل نجاحها على المدى الطويل.
لقد اعتقدت مؤسسات الأعمال أن حوكمة الشركات هي التي تستطيع أن تحقق التوازن المطلوب بين كافة أنواع المخاطرولكن للأسف وفي أعقاب فضائح الشركات الكبرى مثل أنرون وورلدكوم وغيرها فقد دخلت قضايا حوكمة الشركات في دائرة النقاش ووُضعت مجددا تحت الأضواء وتم الوصول إلى نتيجة مفادها أن الحوكمة السيئة تستطيع أن تدمر الشركة ولكنها لا تستطيع بمفردها أن تضمن بقائها.
لذلك ظهرت أهمية النظرة المتكاملة للمخاطر الاستراتيجية بأبعادها المختلفة سواء ماتعلق بالتطورات الاستراتيجية للمؤسسة مثل التطورات التنظيمية والتطورات التكنولوجية والمنافسون والكفاءات وغيرها أو ماتعلق بالبدائل الاستراتيجية مثل الاندماج مع شركة أخرى في مجال أعمال ذات صلة بنشاط الشركة، أو أمور إسناد أنشطة رئيسية لجهات خارجية، أو تقليص أعمال بعض الوحدات أو التخلص من بعضها الأخر.
ويأتي بعد ذلك العمليات الاستراتيجية أو التطبيق الاستراتيجي الذي يتضمن المشروعات الاستراتيجية الرئيسية قيد التنفيذ كعمليات الانتقال لأمكنة أخرى أو التوسع الخارجي أو تطوير قنوات عمل جديدة مبتكرة وغيرها.
ولا تكتمل النظرة لمنظومة المخاطر الاستراتيجية إلا من خلال تحديد ما نسميه في الحياة العملية بالشهية للمخاطر وهي إحدى طرق التعبير عن مستوى المخاطره الذي تسعى المؤسسة للتعرض له قبل أن تقرر القيام بأي عمل تسعى اليه ومن خلال تحديد مستوى الشهية للمخاطر تستطيع المؤسسة تخصيص القدر المناسب للموارد، ولأن هذه الموارد في العاده محدودة للعديد من المؤسسات وخاصة الصغيرة منها، وهذه المؤسسات لا تستطيع إهدار مواردها على تخفيف مخاطرة معينه، لن يكون متاحاً للإنفاق على غيرها. لذلك يبقى السؤال المهم دائما ماهو المقدار الواجب توجيهه من الموارد للمخاطر المقدر الدخول فيها؟ وهذا سؤال كبير جدا.
فلا بد لأي مؤسسة كبُر حجمها أو صغر من أن تضع لنفسها أهدافاً تسعى لتحقيقها ولا بد لهذه الأهداف من أن تتماشى مع درجة المخاطر المقبولة لأن ذلك يساعدها في قياس المكاسب والخسائر المحتملة ويساعدها في معرفة ما إذا كانت مواردها تُستغل بشكل جيد أم يتم إهدارها على المخاطر التي لم يتم تقديرها بدقة، كما يساعدها على إدراك وجوب تركيز الانتباه على التهديدات والمخاطر العميقة الأعلى من المستوى المحدد.
إن المخاطر الاستراتيجية هي أحد أهم مكونات استراتيجية المخاطر للمؤسسة، ففي حين أن وجود استراتيجية من أُطر واضحة ومحددة تجعل كلاً من أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على معرفة تامة بحدود المخاطر المقبولة وبعواقب تجاوز هذه الحدود، يسهل على المؤسسة فهم ومراقبة وتتبع المخاطرة ومحاولة تجنبها، أو الرغبه في تحملها سعيا وراء فرص جديدة ذات قيمة. وهنا تأتي القرارات المبنية على اختيارات بتحمل مخاطر إضافية، ولكن لابد لهذه الاختيارات أن تأتي ضمن أطر استراتيجية المخاطر المحددة والمتفق عليها مسبقاً.
أما في حال الرغبة في الدخول في عمليات جديدة كبيرة لا تأتي ضمن أعمال الادارة الاعتيادية المقيمة مخاطرها مسبقا كعمليات الدمج والاندماج أو بيع وحدات رئيسية من وحدات النشاط، أو تغيرات مرتبطه بالتحولات التكنولوجية أو المخاطر السيبرانيه أو غيرها فإننا في هذه الحالة ندخل ضمن إطار المخاطر الاستراتيجية، التي قد لا تكفي المخصصات المرصودة من المؤسسة لتغطيتها بل تمتد إلى رأس مال المؤسسة وكامل احتياطاتها، فإذا كانت هذه المخاطر خارج إطار المبالغ المرصوده ومبالغ التأمين فإن ذلك سيهدد وجود المؤسسة واستمرارية بقائها.
لذلك يجب أن يكون الهدف الرئيسي والأول لأي مشروع هو حماية قيمة المشروع أو المؤسسة، فليس من المنطق الراشد أن يسمح للمؤسسة بالمغامرة بمستقبلها وبوجودها مهما كانت مغريات العوائد التي قد تتحقق، إلا إذا قبلنا بمنطق المقامرة بدلا عن منطق الإدارة الحصيفة التي تسمح للمؤسسةبتحمل مخاطر قد تكون مؤهلة للتعامل معها فقط، ضمن حدود شهيتها للمخاطرة وضمن نطاق استراتيجية المخاطر المقبولة وليس المخاطر الاستراتيجية المحرمة.
لذلك فإن القرارات الاستراتيجية يجب أن تدرس وتقيم بشكل محدد ودقيق لأن الاخفاق في إجراء هذا التقييم أو في تسعير هذه الأنشطة قد يؤدي إلى الاخفاق التام الذي يتجاوز فقط تحقيق بعض الخسائر للمؤسسة.
لقد حدد المعهد المعتمد لمحاسبي الادارة (CIMA) مصفوفة الإستراتيجية، وهي أداة عملية ومرنة مصممة لمساعدة مجالس الادارة على أداء مسؤلياتها للمساهمة في الاستراتيجية والرقابه عليها بفاعلية وتتمثل أهداف المصفوفه فيما يلي:
مساعدة مجلس الادارة وخاصة الأعضاء غير التنفيذيين في الرقابة والاشراف على العملية الاستراتيجية للمؤسسة
توفير إطار متكامل وديناميكي للتعامل مع الاستراتيجية على مستوى مجلس الادارة يُركز على القضايا الاستراتيجية الرئيسية التي تواجه المؤسسسه
توفير معلومات استراتيجية في شكل ثابت وملخص لمساعدة أعضاء المجلس على اكتساب فهم كافٍ للماده يُمكنهم من تقديم مدخلات بناءة
تقديم المساعدة لمجلس الإدارة فيما يتصل بمركز المؤسسة الاستراتيجي
مساعدة مجلس الإدارة على تحديد النقاط الرئيسية التي تحتاج إلى إتخاذ قرارات عندها
ولكن لا بد من الاعتراف أن التعرض للمخاطر الاستراتيجية، بعضه يمكن حسابه وتقديره كما حصل في أزمة الرهن العقاري. لكن المؤكد أنه لا يوجد نموذج رياضي معين لتقديره ولا يمكن قياس المخاطر الاستراتيجية غير التقليدية بالطرق والوسائل التقليدية، لذلك فإن التعامل مع المخاطر الاستراتيجية يتطلب الكثير من الحكمه والرؤيا المستشرقة وقوة الملاحظة للأخطاء الكارثية التي لاتعتمد بالضرورة على السائد بل التفرد في النظره للأمور.
ويجب الإشارة هنا أيضا إلى أن هناك مخاطر استراتيجية لابد أن تبقى خارج إطار شهية المخاطر، كالمخاطر المتعلقة بعدم الالتزام بالتشريعات والقوانين المحلية المعتمدة أو التشريعات والأنظمة والتعليمات الدولية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب والعمليات غير المشروعه دوليا كالتجارة المحرمة دوليا وقيود العقوبات الدولية وما شابهها.
إعداد: معالي الدكتور/ مروان عوض
رئيس مجلس إدارة منتدى خبراء إدارة المخاطر
رئيس مجلس إدارة إيلاف الأردنية للحلول المتكاملة (Gate To Pay)
Leave A Comment