تقرير البنك الدولي حول التطورات المالية الدولية للعامين 2019 / 2020

اصدر البنك الدولي تقريرا حول التطورات المالية الدولية للاعوام 2019 / 2020 حيث اوضح التقرير وبناء على تحليل بيانات لعشر سنوات اسباب الازمة والاجراءات التصحيحية من السلطات الرقابية التي تم تبنيها لمنع حصول ازمات مالية مستقبلية .

قامت الدراسة بفحص واختبار هذه التشريعات الرقابية والتحسينات التي تمت عليها وكذلك التطورات الرقابية منذ حصول الازمة ومن ضمنها الدول التي تصنف ضمن الدول النامية .

تطرق التقرير الى عدد من النقاط اهمها محاولة الاجابة عن السؤال الآتي: الى اي حد كانت الاصلاحات الرقابية التي تم تصميمها للدول ذات الدخل المرتفع مناسبة للدول النامية، والى اي مدى على الدول ان توازن بين واجبها بتوفير شبكات الامان للمودعين مقابل نتائج السلوك غير السليم الحاصل من بعض ادارات البنوك، وهل المتطلبات المرتفعة لرأس المال تؤثر على حجم الائتمان الممنوح وكيف يمكن وضع تعليمات رقابية لرأس المال تساهم بتحقيق استقرار مالي للبنوك؟ خلص التقرير الى انه يوجد توافق كبير على أن سبب حصول الازمة هو ممارسة وتبني مخاطر مرتفعة من المؤسسات المالية، حيث قامت هذه المؤسسات بزيادة مستويات الرفع المالي والاعتماد على الحصول على التمويل بطرق الجملة wholesale ، تخفيض معايير الاقراض والاعتماد على تصنيفات ائتمانية غير دقيقة، الاستثمار في الادوات المالية المعقدة complex structure instruments .

كما اوضح التقرير ان الازمة قد كشفت عن نقص في آليات انضباط السوق market discipline ، التعليمات الرقابية، والرقابة بشكل عام وفتحت المجال للنقاش حول التعليمات والتشريعات الرقابية المالية.

تعتبر الرقابة مهمة لدور البنوك كوسيط بين المودعين ( بآجال قصيرة) الى المقترضين ( بآجال أطول) ، اعتمادهم على الرفع المالي، ولكون المودعين في اغلبهم لا يمتلكون الادوات والكفاءة لعمل الرقابة اللازمة ، اضافة الى كون البنوك تعتمد في اعمالها على وضع الحوافز للعاملين لديها وما تشكله هذه الحوافز من امكانية للقيام برفع مستوى المخاطر التي تعمل ضمنه البنوك، خاصة انه وفي حال تحقيق البنك لارباح من هذه المخاطر تنعكس لصالح مالكي البنك وإدارته، اما في حال انقلبت هذه المخاطر الى خسائر فعادة ما يتم تحملها من خلال شبكات الامان المختلفة من الدولة وبالتالي كان هناك تحد لوضع سياسات توائم بين الحوافز ذات الطابع

الخاص وبين المصلحة العامة.

الاستبيان ونتائج الاستبيان:

قام البنك الدولي بعمل استبيان حول التشريعات والرقابة على البنوك World Bank regulation and supervision

حول العالم لتغطية النقص المذكور في المعلومات حول هذه الجهود الرقابية.

اشتمل الاستبيان الذي قام به البنك الدولي على اسئلة عن التشريعات المصرفية الحالية وفعالية التغييرات الرقابية التي حصلت بعد الازمة المالية العالمية ، وقد كانت الاجابات توضح آراء موظفي البنوك المركزية ووزارات المالية، السلطات الرقابية، السوق، والمؤسسات المالية الدولية.

من اهم النتائج ان% 80 من الاشخاص الذين اجابوا يرون ان التشريعات الرقابية قد ساهمت بتخفيض انتقال الصدمات المالية الدولية، و % 70 يعتقدون ان هذه التشريعات قد ساهمت بعمل arbitrage بين الانظمة المالية العالمية المنظمة والمراقبة.

68% يعتقدون ان التشريعات الجديدة ساهمت بنقل دور الوسيط المالي financial intermediation خارج النظام المالي المنظم الى بنوك الظل shadow banks وهي غير مغطاة رقابيا. وبذات النسبة اعتقدوا ان هذه التشريعات شكلت عبئاً وتكلفة للمؤسسات المالية، وبما ادى الى انخفاض الكفاءة بالقيام بدور الوسيط المالي.

62% يعتقدون ان المتطلبات الحالية للحد الادنى لرأس المال تعتبر كافية لضمان الاستقرار المالي، كما يرى حوالي% 40 ان متطلبات راس المال نسبة للموجودات الخطرة المرجحة منخفضة لضمان الاستقرار المالي، وبالتالي فإن الجدل الدائر حول مستوى رأس المال الملائم مستمر ولن ينتهي.

وكان للمشاركين توجهات مختلفة لأثر التغييرات الرقابية على تطور sustainability للقطاع المالي في الدول النامية، حيث ان % 19 يعتقدون ان التغييرات الرقابية قد اضرت بالدول النامية، و% 36 يعتقدون ان هناك أثراً منخفضاً ، في حين أن فقط% 45 يأملون بأن الاثر من التعديلات التشريعية سيكون ايجابياً للدول النامية.

بعض من نتائج الدراسة :

منذ الازمة المالية اصبح هناك تركيز اكبر على ايجاد تشريعات رقابية على النظام البنكي والتحسين على الادارات الرقابية التي تساهم بالرقابة على اعمال البنوك خاصة في ظل الاوضاع الضاغطة.

اصبح هناك اهتمام اكبر من السلطات الرقابية في مجال ادارة المخاطر وكذلك عملية اعداد التقارير الخاصة بها بما فيها فحوصات الاختبارات الضاغطة، كما اصبح هناك اهتمام اكبر بالبنوك الاكثر تأثيرا على المخاطر النظامية التي كانت توصف بأنها too big to fail ، واصدرت تعليمات فيما يخص الاستقرار المالي والمتانة المالية لهذه البنوك نظرا لأثرها على الاقتصاد والقطاع المصرفي بشكل عام ، اضافة لكونها اصبحت مكلفة في حال تعويضها، حيث ادت الازمة الى تدخل الحكومات لانقاذ الاستقرار المالي للبنوك و تحديدا هذا النوع من البنوك، علما ان الجهود فيما يخص هذه البنوك لازالت متواصلة ولم يتم اختبارها بعد. وعلى الرغم من كل الجهود اصبحت البنوك الكبيرة أكثر تعقيدا وأكبر حجماً، وارتفعت حصتها من موجودات البنوك بالسنوات الاخيرة. ولم يتحسن مستوى ونوعية الافصاحات، ولم تهتم باليات انضباط السوق بشكل عام. مما جعل مستوى التحديات يزداد لدى السلطات الرقابية.

كما انه وعلى الرغم من تعقيدات التشريعات الرقابية الا ان قدرات الجهات الرقابية بالدول النامية لم تتحسن بشكل كبير.

تم التحسين على ممارسات التحكم المؤسسي لكن لن تكون فاعلة اذا ما استمر وجود ادارة غير فاعلة للمخاطر وكذلك ضعف في انضباط السوق، وبقاء شبكات امان توصف بأنها كريمة.

قادت دول مجموعة العشرين الاصلاحات الرقابية من خال مجلس الاستقرار المالي، ومن ضمن اجندة الاصلاحات الرقابية قامت لجنة بازل للرقابة على البنوك بإعداد متطلبات جديدة لرأس المال وللسيولة ضمن مقررات بازل الثالثة Basel III ، وكون الازمة كانت ناتجة عن الدول المتقدمة فإن معظم جهود الاصلاح كانت مركزة على ذلك الجزء من العالم مع تركيز اقل على الدول النامية . لذا فإنه لا يوجد ادلة توضح الاصلاحات التي قامت بها الدول النامية وأثر هذه الاصلاحات على استقرار بنوكها وسلوك الاقراض لديها. هدفت التعليمات الصادرة فيما يخص اطار بازل 3 على رفع حجم ونوعية راس المال، واصبحت نسب رأس المال الاعلى منذ الازمة المالية العالمية ، ولكن عند تحليل 158 منطقة وحوالي 20 الف بنك ،تبين ان هذا الارتفاع جاء بسبب التوجه نحو الموجودات ذات الاقل خطورة.

وبالتالي العديد من البنوك تحسنت لديها النسب بسبب التحولات الحاصلة بحجم موجوداتها الخطره. علما ان الدراسات اوضحت ان المستثمرين لم يبدوا خلال الازمة المالية العالمية اهتماما بنسب الموجودات المرجحة بالمخاطر الى رأس المال.

بالاضافة الى كون العديد من السلطات الرقابية المختلفة سمحت بمجال اوسع من الادوات لتعتبر1 Tier capital التي الأصل ان تكون لها قدرة أكبر على امتصاص الخسائر. وهو امر مهم كونه قد تؤدي الى تراجع في نوعية رأس المال مستقبلا. كذلك فان العديد من الادوات غير المالية ومنها المبالغ المقترضة سمح ان تكون ضمن رأس المال بالدول النامية. وبالتالي فانه من نظرة خارجية يظهر أن كافة البنوك تحتفظ حاليا بحجم اكبر من راس المال وموجودات اكثر امانا مقارنة بما قبل الازمة الا ان الارقام قد تمنح شعوراً غير دقيق بالامان (ارتفعت نسبة Tier 1 capital الى رأس المال التنظيمي بين الاعوام 2005 الى 2017 من 75 % الى %90 لدى دول OECD ومن 80 % الى 90 % لدى الدول النامية ).

بالمحصلة فقد ازداد عدد الدول التي تبنت بازل 2 وبازل 3 منذ الازمة، وكانت الدول ذات الدخل الاعلى اسرع بالتطبيق، اكثر من 80 % من الدول ذات الدخل المرتفع طبقت بازل 3، و 50 % من الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع وثلث الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض، اما الدول ذات الدخل المنخفض فكان عدد من طبق بازل 3 فقط خمس دول. علما ان الدول النامية انتقلت من بازل 1 حيث ان حوالي 40 % منها تبنت بازل 3، العديد منها ايضا تبنت الطرق الاكثر تعقيدا مثل استخدام النماذج الداخلية لتقييم مخاطر البنك. الا ان قدرات السلطات الرقابية لم تتحسن لتتواءم مع التعقيدات الحاصلة بالتشريعات المصرفية.

قد تكون نسب رأس المال البسيطة مثل نسبة الرفع المالي اسهل للمراقبة وفرض التطبيق على الرغم من كونها لا تميز بين درجة المخاطر، وقد طلبت بازل 3 تطبيق هذه النسبة بالاضافة لنسبة رأس المال الى الموجودات المرجحة بالمخاطر. وقد يتم التحسين عليها بإصدار تعليمات تعتبر incentive compatible regulation بأن يتم مثلاً تعديل نسب الرفع المالي بزيادتها بنسب هامش الفائدة التي يتم تحميلها لقروض العملاء، فكلما ارتفع الهامش ارتفع خطر العميل وكذلك احتمال تعثره وبالتالي رأس المال المطلوب، ولن يقوم البنك بتخفيض اسعار الفائدة لتخفيض متطلبات رأس المال كونها تخفض ايرادات البنك والحافز المتحقق منها. هذا اضافة الى سهولة مراقبتها كونها يجب ان تتواءم مع هوامش الفائدة المطبقة وحتى في البلدان النامية.

اوضحت الدراسة ان 80 % من البلدان ذات الدخل المرتفع لديها نوع من انواع التأمين على الودائع ، اما نسبة البلدان الاخرى فقد تحسنت النسبة لديهم من العام 2013 خاصة بالدول ذات الدخل المنخفض. كما اصبح على البنوك ان تقوم بوضع خطط توضح استراتيجيتها وقدرتها على الاستمرار بالعمل والتعافي في حال الاوضاع الضاغطة.

ومن التوصيات الواردة بالتقرير، فإنه على التشريعات والسلطات الرقابية ان تكون متوائمة ومتناسبة مع قوة البيئة المؤسسية لانضباط السوق ، قدرات السلطات الرقابية، ونماذج الاعمال للبنوك. ويوضح ان التحسين على جودة وقيمة رأس مال البنوك مهم جدا لتخفيف أثار انخفاض قدرة السلطات الرقابية وكذلك توفر البيانات المختلفة اللازمة.

كما يضيف انه في البلدان النامية فإن تبني الاساليب المتقدمة والمصممة للدول المتقدمة قد لا يكون مفيدا. حيث ان الاساليب الاقل تعقيدا قد تكون اكثر فاعلية لطلب التطبيق من السلطات الرقابية وللمراقبة عليها من الجهات المعنية المختلفة ذات العلاقة. وبحيث تكون قابلة للتطبيق من البنوك الاقل تعقيدا وبكلفة اخفض للامتثال.

كما انه على السلطات الرقابية ان تعمل بشكل متوائم مع السوق وليس ضده لتكون فاعلة، آخذين بعين الاعتبار ان تتكامل التعليمات مع منظومة الحوافز – incentive compatible regulations . وهو امر ليس بالسهل خاصة في الاسواق غير المتطورة وكذلك بمؤسسات غير متطورة.

نهاية، ترى الدراسة ان اهمية اجراء اي تعديات تشريعية اصبحت تنخفض مع مرور الزمن على الازمة المالية العالمية، كما أن العولمة والتغيرات التكنولوجية هي توجهات مهمة تجعل عملية الرقابة على البنوك اكثر صعوبة، وتحمل العديد من التحديات على فاعلية الرقابة على البنوك.

حيث تقود العولمة لمزيد من المنافسة وتكثيف ضغوطات الصناعة المصرفية على السلطات الرقابية لتخفيض الشفافية والمساءلة . كما تساهم بعمل اربتراج حيث ان المؤسسات عادة لديها القدرة على النقاش والتفاوض من خال التهديد بالانتقال الى مناطق بمستوى تشريعات اقل. اضافة لذلك وعلى الرغم من الاصلاحات التي حدثت مؤخرا، فإن طريقة التعامل مع الازمة المالية اعطت شعوراً للبنوك الكبيرة بان لها القدرة على تعويض خسائرها من خلال البرامج المختلفة التي تقوم بتعويضهم بها الدولة، مما ادى الى قيامها بالدخول في مخاطر اعلى.

أما الثورة التكنولوجية ومنذ حدوث الازمة فقد ارتفعت بمستوى الابداع المالي financial innovation لتجعل مهمة السلطات الرقابية اصعب باللحاق بالصناعة المالية. مثلا ال fintech والعملات الرقمية وغيرها قد تشكل فرصاً لكن بنفس الوقت تحديات للاستقرار.

على الرغم من عدم القدرة على توقع متى وكيف ستحصل الازمة المالية، فإن عمليات التمويل بشكل عام تعد مجالاً خطراً وستستمر الازمات بالحصول بها. يبقى الهدف الرئيس للسياسات العامة هو تخفيض تكرار وقوة الازمة. وسيبقى وجود تشريعات وسلطات رقابية فاعلة خلال السنوات القادمة يشكل تحدياً اكبر.

اعداد: السيد محمد جميل عزم حمد / خبير مخاطر/ احد مؤسسي منتدى خبراء المخاطر وعضو الهيئة الادارية