وقف توزيع الأرباح النقدية لمساهمي البنوك يعزز قاعدتها الرأسمالية لمجابهة كورونا؟
عمان – تنادت بعض الجهات مؤخراً بالدعوة لاعادة النظر بقرار وقف توزيع ارباح نقدية البنوك على المساهمين عن العام 2019، وذلك كون هذا القرار من شأنه الحاق الضرر بالمستثمرين خاصة الفئة التي تملك الكثير من الاسهم وتشكل ارباحها نسبة كبيرة من دخلها السنوي الذي تعتمد عليه، وان الاقتصاد يتمتع باستقرار نقدي وحجم مريح من الاحتياطيات الاجنبية يساعد بالقيام بالتوزيعات، اضافة الى العديد من المبررات التي توضح ان التوزيعات النقدية ستسهم بتنشيط الاقتصاد بعد ازمة الكورونا.
للوهلة الاولى فان هذه الدعوات منطقية، الا انه حين التعمق بأثر ذلك على البنوك عصب الاقتصاد والمحرك الاساسي للنمو الاقتصادي، فان مبررات هذه الدعوة تخفت.
لا شك كان للبنوك الدور الهام والاساسي بمكافحة اثار الجائحة سواء بالاردن او عالميا، وتوضح الدراسة الصادرة مؤخرا عن منتدى الاستراتيجيات الاردني حول اداء القطاع المالي في الاردن خلال جانحة كورونا وكيف كان له الدور الابرز في التصدي لآثار الجائحة وذلك بدعم كبير من البنك المركزي الاردني الذي قام بعديد من الاجراءات لتنشيط الاقتصاد سواء بتخفيض اسعار الفائدة (من 3.5 % الى 2.5 %)، خفض نسبة الاحتياطي الالزامي (من 7 % الى 5 %) وعمل اتفاقيات اعادة شراء مع البنوك لآجال تصل الى السنه وبالتالي زيادة قدرة البنوك على ضخ مزيد من السيولة في النشاط الاقتصادي بنحو مليار دينار. اضافة الى السماح للبنوك باعادة هيكلة القروض للافراد والشركات بتأجيل اقساط القروض على القطاعات المتأثرة وعملاء التجزئة بما في ذلك دفعات البطاقات الائتمانية وقروض الاسكان والقروض الشخصية دون عمولة او فوائد تأخير. او من خلال اعداد برنامج تمويلي ميسر لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة تضمن استمراريتها التشغيلية بكلفة متدنية لا تتجاوز 2 % وبضمان للقروض بنسبة 85 % وبفترة سماح تصل الى سنه. اضافة الى تخفيض كلف التمويل لبرنامج البنك المركزي لدعم القطاعات التنموية، وكذلك دعم اجراءات المؤسسة الاردية لضمان القروض بضمانات واسعار الفائدة المنخفضة. وكل ذلك ضمن قدرات الدولة المالية المتواضعة. علما ان حجم التسهيلات الائتمانية لدى البنوك وعلى الرغم من تراجع النشاط الاقتصادي قد نمت بما نسبته 2.2 % بنهاية شهر ايار ( مايو) مقارنة مع شهر شباط (فبراير) مما يوضح نجاح البنوك بدورها بتوفير التمويل المطلوب للقطاعات الاقتصادية خاصة التي تاثرت بالجائحة. وقامت البنوك باستمرار توفير السيولة اللازمة واموال المودعين، حيث انخفضت ودائع العملاء لديها بنسبة 2.3 % عن مستواها في شباط. كما ويجدر بالذكر ان تحويلات العاملين بالخارج للاردن انخفضت خلال النصف الاول من العام بنسبة 9.6 %.
العامل الرئيسي بعدم توزيع الارباح للعام 2019 هو ان البنوك تعتمد في ممارسة اعمالها على الرفع المالي، وعلى الرغم من انها تمارس عملها بمصادر اموال خارجية من ودائع العملاء والبنوك وغيرها، الا انه يستلزم ان تكون لديها قاعدة رأسمال تحدد امكانية النمو بحجم ونوعية موجودات هذه البنوك ودرجة خطورتها، وبالتالي اذا تأثرت هذه القاعدة الرأسمالية تأثرت قدرة البنوك على النمو او حتى مستوى متانتها المالية واستمراريتها وبالتالي قدرتها على خدمة الاقتصاد.
في تقرير مؤسسةS&P الذي صدر مؤخراً حول نظرة المؤسسة لمستقبل البنوك دولياً، تطرق التقرير للبنوك في الاردن، حيث توقعت المؤسسة ان تتراجع جودة الاصول لدى البنوك بسبب تعثر عدد من الشركات كنتيجة للأزمة وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها للبنوك، الامر الذي سيؤدي وفقا لتوقعات المؤسسة الى رفع نسبة الديون غير العاملة الى اجمالي التسهيلات الى حوالى 9 % خلال العام 2020 وتتبلور النسبة اكثر بالعام 2021 . الامر الذي يعني والتزاما بتعليمات البنك المركزي الاردني والمعايير المحاسبية والممارسات الدولية لادارة المخاطر الائتمانية اقتطاع مزيد من المخصصات من ارباح البنوك، وهو ما توقعته المؤسسة ايضاً، وبما سيؤدي ذلك الى ضغوطات على الارباح، او حتى انه قد تمنى عدد من البنوك بخسائر بسبب هذه المخصصات. وقد يكون من الحصافة ان تقوم البنوك ببناء مخصصات بالعام الحالي تحوطاً حتى لو كان على حساب الانخفاض عن المستوى المعهود للارباح وتحقيق عائد منخفض على موجوداتها او حقوق مساهميها، وذلك لضمان تغطية كافية للديون المتعثرة لديه او تلك التي من المتوقع ان تتعثر.
حيث انه وعلى الرغم من قيام البنوك بتأجيل الاقساط لبعض المقترضين او منحهم قروض تساعدهم بالوفاء بالتزاماتهم التشغيلية الا انه في بعض منها قد يكون قد تم تاجيل التعثر للعملاء وليس معالجة حاجته التمويلية الامر الذي يستلزم التحوط لذلك. وقد قامت البنوك مؤخراً وضمن تطبيق المعيارالمحاسبي رقم 9 بوضع عدد من السيناريوهات اخذت بعين الاعتبار التغيرات التي قد تحصل على العوامل الاقتصادية وسيناريوهات التعافي الاقنصادي ضمن اشكال ال V و W و U وباوزان معينه لاحتساب هذه المخصصات.
وهذا التحوط الحصيف كان واضحا في الارقام المنشورة لبيانات البنوك والتي نوضح انخفاض ارباح البنوك في الاردن بنسبة
63.7 %. اضافة الى اقتطاع المخصصات، فان انخفاض اسعار الفائدة والذي ان كان سيساعد على تحسين جودة الائتمان الا انه سيؤدي بالمحصلة ايضا الى انخفاض هامش الفائدة لدى البنوك وبالتالي تراجع ارباحها ايضا. كما تتوقع المؤسسة حصول تباطؤ في نمو الودائع خاصة لدى البنوك الصغيرة ومما يعني ضغط على السيولة.
على الرغم من ان البنوك بشكل عام وبعد الازمة المالية العالمية بالعام 2008 قد عملت على تدعيم رأسمالها وفقا للمتطلبات الرقابية الدولية والمحلية، الا ان هذا التراجع بالارباح او حتى حصول خسائر قد يؤثر بالمحصلة على نسب كفاية راس المال لدى البنوك والتي تلتزم بها البنوك وكانت تبلغ للقطاع مع نهاية العام 2019 وفقا لدراسة المنتدى ما نسبته 17 % وهي متوافقة مع تعليمات البنك المركزي الاردني التي يتراوح الحد الادنى لديها بين 12 % الى 16.5 % وفقا لتصنيف البنك.
الامر الذي ان حصل يعني اما الحاجة الى رفع راس المال وهو الامر شبه المستحيل حاليا بسبب انخفاض السيولة بالاسواق وتراجع رغبة المستثمرين بزيادة مساهماتهم، او ستقوم البنوك بتخفيض حجم موجوداتها ودرجة خطورتها وبالتالي عدم القدرة على دعم الاقتصاد وتوفير التمويل اللازم للمشاريع المختلفة الامر الذي سيسهم ويعمق حالة التراجع الاقتصادي. وعلى الرغم من انه قامت بعض السلطات الرقابية ولتنشيط الاقتصاد بالسماح لبعض البنوك في بعض المناطق القيام باستخدام بعض الاحتياطيات التي تم بناؤها ضمن راس المال الا ان ذلك سيخفض من نسب راس المال ويقلل من فرص البنوك الحصول على انواع مختلفة من الاموال من الاسواق الدولية ويخفض أيضاُ من متانتها المالية واستقرار القطاع المصرفي بشكل عام.
نهاية فقد أشار صندوق النقد الدولي مؤخراً في تقرير الاستقرار المالي الى دور البنوك بدعم وتنشيط الاقتصاد، واكد ضرورة ان تستمر البنوك بمراقبة جودة موجوداتها وبناء المخصصات المطلوبة وضمن التعريفات والتعليمات المعتمدة دون تساهل، واضاف ان على البنوك استخدام رأسمالها لاستيعاب الخسائر وادارة مشكلات السيولة، وعلى البنوك ان توقف توزيعات الارباح للمساعدة في دعم هوامش امان راس المال ووضعت مسؤولية بذلك على الاجهزة الرقابية باتخاذ الاجراءات اللازمة وان تطلب من البنوك تقديم خطط لتدعيم راس المال وتعويض خسائرها ان حصلت. علما ان البنوك في معظم مناطق العالم لم تقم بعمل توزيعات نقدية.
اعداد: السيد محمد جميل عزم حمد / خبير مخاطر/ احد مؤسسي منتدى خبراء المخاطر وعضو الهيئة الادارية
Leave A Comment